د. محمد عبد الصبور فهمى يكتب: ارحموا وزير التربية والتعليم
الثلاثاء، 29 يونيو 2010 - 01:02-----جريدة اليوم السابع
تصريحات الوزير والتى كانت سببا فى انقلاب الفضائيات والصحف عليه ما هى إلا وقائع عشناها جميعا، فالعصر الذهبى للتعليم بمصر كان المدرس يحمل العصا وكان التلميذ يحترم المدرس ليس خوفاً منه، ولكن احتراما وتوقيرا بدليل معاودة التلميذ لزيارة المدرسة التى تخرج منها كى يسلم على من قاموا بالتدريس له جميعا.
أما الآن فلقد انعدمت بالفعل هيبة المدرس، فعندما يخطأ تلميذ ويسىء سلوكه، يحاول المدرس معاقبته بغرض تهذيبه من ناحية وحتى لا يتكرر سوء السلوك من قبل تلاميذ آخرين يجد المدرس أمامه محضراً فى الشرطة وتحقيقا فى النيابة، ولكن بعد أن تدهور حال التعليم وتراجع نتيجة عوامل كثيرة لسنا بمجال الخوض فيها، وصل بنا الأمر ليصبح الحفظ هو معيار تحديد المصير واستمر تراجعنا بالرغم من أن طلابنا حطموا الرقم القياسى فى درجات الثانوية العامة وحصلوا على نسبة أكثر من 100%، وخلو المناهج الدراسية من التفكير هو أول أسباب بداية تدهور التعليم فى مصر، ففى الوقت الذى نجد فيه الأطفال ولا أقول فى الولايات المتحدة أو الدول الأوروبية فقط، بل وأطفال الصين والهند وماليزيا وسنغافورة يجيدون الحسابات وجدول الضرب فى مرحلة التمهيدى (الحضانة) أى قبل دخول المدرسة نجد المسئولين فى بلدنا الحبيب مصر يحاربون المدارس الخاصة التى تقوم بذلك، باعتبار أن تلك المرحلة هى مرحلة ترفيه للطفل من أجل الاعتياد على المدرسة، فالطفل المصرى هو أذكى أطفال العالم إلى أن يدخل المدرسة، حيث يبدأ فى نظام تعليم يعتمد على التلقين وخالى تماما من التفكير.
وصدق جون هولت عندما قال "ليس علينا أن نجعل البشر أذكياء، فهم يخلقون كذلك، وكل ما علينا هو التوقف عن ممارسة ما يجعلهم أغبياء"، وكان يقصد نظام التعليم المدرسى المتجاهل للتفكير، وكل البلدان الآسيوية سابقة الذكر تتمتع بجودة التعليم قبل الجامعى، وهو الذى ترتب عليه تقدم تلك الدول، إن تعليم التفكير للطلاب أصبح أهم متطلبات التربية و التعليم لاسيما فى عصرنا الحالى، لكى ينشأ الطلاب وهم يستطيعون التفكير بعقلانية ومن ثم يتمكنوا من الأساسيات المطلوبة للتعامل مع الثورة المعلوماتية، فتنمية التفكير يجب ان تكون أهم أهداف العملية التعليمية فالمعلم يجب ان يضع هدف امامه وهو ان يعلم طلابه كيفية التفكير بأنفسهم ويغرس فى نفوسهم مهارات التفكير وذلك يعنى فتح أبواب العقل ونوافذه على مصراعيها، ويعنى تنمية وتحسين أقوى أداة يملكها الإنسان، ونشر تعليم التفكير فى المدارس والجامعات، يمكن اعتباره بداية لتطوير التعليم فى مصر، وزيادة قدرة الطلاب على التفكير تعد بمثابة جهاد المعلم فى سبيل الوطن بحيث تكون ثمرة هذا الجهاد من الطلاب المفكرين هى أعظم هدية يقدمها المعلم للوطن الحبيب مصر، ونحن لم نسمع أن الأول فى الثانوية العامة بتلك الدول سابقة الذكر قد حصل على 100% أو 85% لأن ذلك ليس محور اهتمامهم، ولكن اهتمامهم الرئيسى بمدى إلمام وتحصيل جميع الطلبة الناجحين لما قاموا بدراسته، ومدى قدراتهم على الاستفادة من ذلك فى الابتكار، فتلك الدول تناقش قضية التعليم بها لأنها تطمح أكثر من زيادة جودة التعليم قبل الجامعى بعد أن تأكدت من أنه أساس تقدمها فى كافة المجالات، وبالرغم من ذلك لا نجد مناقشاتها حول محاربة الدروس الخصوصية، أو أن الضرب ممنوع أو غير ممنوع بالمدارس، أو أن الأول فى الثانوية العامة يحصل على أكثر من 100% أو 85%، وكأن ذلك هو سبب إفساد العملية التعليمية فى مصر.
وجاء امتحان الثانوية العامة ليمنح فرصة للفضائيات والصحف لفتح النار على الوزير ومهاجمته، من خلال مداخلات التليفونات لأولياء الأمور على الهواء حتى وصل الأمر إلى أن يتم تحميل الوزير لغز اختطاف طالبتين شقيقتين من أمام مدرستهما، وأنا على ثقة تامة بأن بداية تطوير التعليم فى مصر قد بدأها بالفعل معالى وزير التربية والتعليم الأستاذ الدكتور أحمد زكى بدر، وليكن هدفنا كشعب الارتقاء بمستوى التعليم لأن ذلك هو أساس تقدمنا فى كافة المجالات وليس الهجوم على القائمين عليه أو من يحاولون تطويره، ويكفى وزير التربية والتعليم أنه أول وزير يحاول بنفسه إصلاح الخلل فى وزارته من خلال زياراته المفاجئة للمدارس ومتابعته للإدارات التعليمية، مما أضاف المزيد من الانضباط فى المنظومة التعليمية، وعلى الفضائيات والصحف، والتى لا يعجبها العجب ولا الصيام فى رجب أن ترحم معالى الوزير من مهاتراتها كى يستطيع استكمال مشوار الإصلاح الذى بدأه، والدولة ممثلة فى الحكومة يجب أن تعلم تماما أن الأموال التى تخصص للتعليم لتأهيل وتخريج شباب قادر على الابتكار والإبداع لا تضيع هدرًا، وإنما توجه لخلق مجتمع متقدم، فإذا أردنا أن نتطور فلابد من اقتناعنا بأن التعليم هو أساس التطور فبه تزدهر وتتقدم الأمم وتتطور الحضارات المتعاقبة.